لا تتعــــــــلل ولا تختلـــــــق المعــــاذيــــــــــر
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
لا تتعــــــــلل ولا تختلـــــــق المعــــاذيــــــــــر
بســــــــــــــم اللــــــه الرحمـــــــن الرحيــــــــــم
لا تتعللْ ولا تختلق المعاذير
قرأت في ترجمة نابغة الخط التركي الشهير: محمد أسعد اليساري ما نصه: هو: محمد أسعد اليساري، نسبة إلى أنه كان يكتب الخط بيده اليسرى، وُلد في استانبول مصاباً بالشلل في جانبه الأيمن، وكان جانبه الأيسر هو الآخر مصاباً بالرعشة، فهو ذو بدنٍ وصفه القدماء بأنه عبرة القدر، ومع ذلك فقد استطاع بهذا الجسم العليل أن يفتح طريقاً جديداً في خط التعليق الفارسي.
ذهب ليتعلم فن الخط إلى أستاذ الخط المعروف ولي الدين أفندي، فنظر الأستاذ إليه، وحينما رأى حاله لم يتوسم فيه خيراً، فرفض طلبه، فتوجه اليساريُّ إلى أستاذٍ آخرَ، وبدأ يحضر دروسه، ويتعلم على يديه، وحال انتهاء الأسبوع الأول من دراسته، أوقع أستاذه في حيرةٍ، وحصل منه على الإجازة بجدارة، إذ أُقيم حفلٌ كبيرٌ بهذه المناسبة، وكان ممن حضروا مراسيم الإجازة الأستاذ ولي الدين أفندي الذي لم يكترث لحاله من قبل، فقال آنذاك: كنا سنحظى بهذا الشرف، فوا أسفاه لقد ضاع من يدنا.
وقال في مناسبةٍ أخرى: لقد أرسل الله هذا الرجل؛ ليحطم به أنوفنا.
أصبح اليساري معلماً للخط في البلاط العثماني، ويعتبر أشهر من أجاد خط التعليق في الدولة العثمانية على الإطلاق، على الرغم من أنه كان ضعيف الجثة، ضئيل الحجم، حتى إِنهم كانوا يحملونه بهذا البدن العليل في سلة، لينقلوه من مكانٍ إلى آخر، ولكنه مع التصميم، والإرادة، والهمة العالية أضحى ذكره خالداً، ولامعاً في تاريخ هذا الفن العظيم. توفي - رحمه الله- في 11 رجب 1213هـ، ودُفن في حي الفاتح في استانبول.
قرأت هذه الترجمة، فبهرتني، ورأيت نماذج من خط ذلك الخطاط فرأيته آيةً في الإبداع، فأوحى إليّ ذلك بهذه الخاطرة، ألا وهي أن التعلل بالمعاذير، والتماس المسوّغات من أعظم الأسباب التي نعلق عليها إخفاقنا، ونسوّغ بها أخطاءنا، وعجزنا، وقعودنا.
وكثيراً ما تكون تلك المعاذير، والمسوغات مجرّد أوهام لا حقيقة تحتها، فلا تزال تلك الأوهام تكبر شيئاً فشيئاً حتى تكون لنا سداً منيعاً، حجارتُه سوءُ الظن أحياناً، وتخذيلُ النفس أحياناً، والشك في النتائج والخوف من الإخفاق أحايين أخر.
وقد تكون تلك المعاذير حقيقة، كحال من يتعلل بقلة الذكاء، أو عدم النبوغ، وكحال من يتعلل بسوء الحظ، وقلة التوفيق، وبأن الظروف لم تُواتِه، ولم تأت على وَفْقِ ما يريد، وكحال من يتعلل بتربيته الأولى، وأنه قد قُصِّر فيها، فلم يُوَجَّهِ الوِجهةَ الصحيحة؛ فأخفق، ولم يعد قادراً على استدراك ما فات.
وكحال من يتعلل بالبيئة التي يعيش فيها، أو الصحبة التي ابتُلي بها، وكحال من يتعلل بكبر سنه، أو بمرضه، وضعف قواه، وقلة تحمله؛ فيسوّغ بذلك قعوده وعجزه؛ فمثل تلك الأعذار قد تكون سبباً حقيقياً لدنوّ الهمة، إلاّ أنه لا يليق بالعاقل أن يستسلم لها، أو أن يسترسل معها؛ فمهما يكن من شيء فإن الفرصة متاحة، وإن الباب لمفتوح على مصراعيه لمن أراد المعالي، وسعى لها سعيها.
فالإنسان بتوفيق الله، ثم بعزمه، وهمته، وتربيته لنفسه - قادر على التغلب على كثير من العقبات والصعاب.
وما الصعاب في هذه الحياة إلا أمور نسبية، فكل شيءٍ صعب جداً عند النفوس الصغيرة جداً، ولا صعوبة عظيمة عند النفس العظيمة، فبينما النفس العظيمة تزداد عظمة بمغالبة الصعاب إذ النفوس الهزيلة تزداد سقماً بالفرار منها.
وإنما الصعاب كالكلب العقور، إذا رآك خفت منه وجريت نَبَحَك، وعدا وراءك، وإذا رآك تهزأ به، ولا تعيره اهتماماً أفسح الطريق لك، وانكمش في جلده منك.
فإذا اعتقدت بأنك مخلوق للصغير من الأمور لم تبلغ في الحياة إلاّ الصغير، وإذا اعتقدت أنك مخلوق لعظائم الأمور، وسلكت السبل الموصلة لها - شعرت بهمة تكسر الحدود والحواجز، وتنفذ منها إلى الساحة الفسيحة، والغرض الأسمى - كما يقول الأستاذ أحمد أمين في فيض الخاطر-.
ومصداق ذلك حادث في الحياة المادية، فمن عزم على المسير ميلاً واحداً أدركه الإعياء إذا هو قطعه، وإذا هو عزم على قطع خمسة أميال قطع ميلاً، وميلين، وثلاثة من غير تعب؛ لأن غرضه أوسع، وهمّته المدخرة أكبر.
فلا تتعللْ بقلة الذكاء، وإنما استعمل ذكاءك خير استعمال.
نعم إنك لا تقدر أن تكون في الذكاء مائة إذا خلقت وذكاؤك في قوة عشرين، ولكنك قادر على استعمال ذكائك خير استعمال حتى يفيد أكثر ممن ذكاؤه مائة إذا هو أهمله، كمصباح الكهرباء إذا نُظّف مما علق به، وكانت قوته عشرين شمعة - كان خيراً من مصباح قوته خمسون إذا عَلَتْهُ الأتربة وأُهْمِل شأنه.
ولا تتعلل بأنك لست نابغة، ولا أنّ الظروف لا تواتيك، فالعالم لا يحتاج إلى النوابغ وحدهم، والنجاح ليس مقصوراً على النوابغ دون سواهم، ولا على من تواتيهم الظروف.
ولا تتعلل بسوء الحظ، فلا يوجد من مُنحوا قدرة على التفوق من غير جهد، وعلى الإتيان بالعجائب من غير مشقة، وعلى قلب التراب ذهباً بعصا سحرية، فلا يكن سوء الحظ - كما تزعم- عائقاً لك عن النجاح.
ولا تعتذر بتربيتك الأولى، ولا بعامل البيئة أو الوراثة، فهذه لا تعوق الإنسان عن إسعاد حياته، وملئها بالجد والاجتهاد إذا مُنِح الهمة العالية، والإرادة القوية، والتفكير الصحيح.
ولا تتعللْ بكبر السن، وضعف القوى، فتقعد عن كل فضيلة، وتقصر عن كل مكرمة، بل جدّد نشاطك، واستثر همتك، واعمل ما في وسعك.
ولا يعني ذلك أنه يُراد منك حال كبرك ما يُراد منك حال شبابك واكتمال نشاطك وفتوّتك.
وإنما يُراد أن تَجِدَّ في الاستفادة من طاقاتك الكامنة، وخبراتك السابقة قدر الإمكان، فلو سرت على هذا النحو لعادت لك الروح، ولتجدد فيك العزم.
على أن هناك من أصحاب الهمم العالية من يكبر وتكبر معه همّته، فهذا ابن عقيل الحنبلي -رحمه الله- يقول: وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في الثمانين أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين سنة.
ولا تتعللْ بسوء الصحة؛ فكثير من النوابغ كانوا من ذوي العاهات، والأمراض المزمنة، كحال صاحبنا الخطاط الذي مضى ذكره في أول الحديث.
لابد ان يكون للانسان عزيمة وقدره على تدى الصعاب والازمات التى يعيش فيها وتمر بحياته حتى نستطيع العيش كما قدر لنا الله سبحانه وتعالى
ولكم كل الشكر والامتنان
اعز صحاب- المشرف العام
- عدد المساهمات : 147
تاريخ التسجيل : 03/02/2011
سما القلوب- عضو رهيب
- عدد المساهمات : 138
تاريخ التسجيل : 04/02/2011
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى